كلمة المحرر

 

 

مجزرة الصهاينة الأخيرة في غزة

 

 

 

 

 

 

        يوم الأربعاء: 28/ذوالحجة (بالتقويم الهندي) 1433هـ = 14/نوفمبر 2012م استهدفت الدولة الصهيونيّة بقاذفاتها دونما استفزاز من قبل «حماس» التي تحكم «غزّة» منذ نحو سبع سنوات القيادي العسكري الحماسي الكبير «أحمد الجابري» وتسعة آخرين معه بمن فيهم ابنه، وأَصْمَتْهم في مكانهم. وكان من الطبيعيّ أن تسخط «حماس» والفلسطينيون كلهم من هذه العمليّة الإسرائيليّة الوحشيّة، وينتقموا من الدولة الصهيونية بما يسعهم، فوَجَّهُوا إليها بعض الصواريخ الضئيلة التي يصنعونها بأيديهم في فقر في الوسائل وحصار كامل من الدولة الصهيونية، فاتخذت ذلك مبررًا كافياً لتمطر على الفلسطينيين في غزة وابلاً من القنابل، وتحوّل غزة جحيماً لا تطاق، وتقتل الشعب الفلسطيني تقتيلاً عشوائيًّا، وتدمر منازلهم ومستشفياتهم إلى جانب المقار الحكومية لمنظمة «حماس» بما فيها مكاتب رئيس الوزراء ومبنى مجلس الوزراء ومقرّ الشرطة وما إلى ذلك من المباني الهامة.

     فقد صَرَّحَ رئيس الوزراء الصهيوني في مباهاة لمجلس الوزراء الصهيوني، يوم الأربعاء: 6/محرم 1434هـ = 21/نوفمبر 2012م وهو اليوم الثامن من حربه العدوانية على غزة أنه قام لحد الآن بألف هجمة جويّة على غزة، وأنها ستتواصل، وأنه بدوره سيُوَسِّع نطاق الهجوم ضمن عملية عسكريّة أسماها بـ«عمود الدفاع» وأنه عبّأ لذلك 75000 من القوات، و وضعها في تأهب أقصى لمواجهة أي وضع خطير.

     وخلالَ الأيّام الثمانية سقط مئةُ فلسطيني شهيدًا إلى جانب عدد كبير من الجرحى، وأفادت الأنباء يوم الأربعاء: 6/محرم 1434هـ أن عدد الشهداء ارتفع إلى أكثر من 150 بمن فيهم الأطفال الصغار الذين نشرت الصحف العالميّة صورًا لجثثهم المضرجة بالدماء، الأمر الذي أثار السخط العارم لدى الشعب الإسلامي في كل مكان بينما لم يُقْتَل من الصهاينة لحد كتابة هذه السطور: يوم الخميس 7/محرم 1434هـ إلاّ 5 أفراد فقط؛ لأن الصواريخ الموجهة إلى الدولة الصهيونية من قبل الفلسطينيين يتم تدميرها في الطريق عن طريق الأجهزة الصهيونية المدمرة للصواريخ.

     وليست هذه أول عمليّة إبادة جماعية إجرامية للفلسطينيين تقوم بها الدولة الصهيونية، وإنما هي استمرار لما تقوم به منذ أن وُجدت على أرض فلسطين بطريقة غير شرعيّة تماماً، فهي كما كتبنا في هذه الزاوية عشرات المرات تصيد الفلسطينيين كما يصيد أحدنا الطيور والعصافير. وذلك على مرأى ومسمع من العالم كله الذي ليست لديه أي قيمة لأرواح المسلمين؛ ولكنها كل القيمة لغيرهم ولاسيّما اليهود قتلة الأنبياء الذين جُعِلَت منهم القردة والخنازير عقاباً عاجلاً من الله عز وجلّ قبل عقاب الآخرة لقاء خبثهم المستطير وشرهم المنقطع النظير الذي ظلوا من أجله يخالفون الله في كل ما أمرهم به ونهاهم عنه.

     ففي شأن هذه المجزرة الأخيرة هي الأخرى أقدم الرئيس الأمريكي «أوباما» على التنديد بموقف «حماس» تجاه توجيه الصواريخ إلى الدولة الصهيونية، قائلاً: إن «إسرائيل» لها الحق المطلق في اتخاذ ما تصون به أرواح شعبها» أي أنها مصيبة فيما تصنع من قذف غزة عشوائياً بالقنابل المدمرة، والقيام بعمليات عسكرية واسعة المدى وتحويل غزة جحيماً باستمرار منذ سنوات مديدة، حتى أصبحت تفقد كل الوسائل التي لابدّ منها لإنقاذ حياة إنسانية، وعلاج المرضى والجرحى، فقد صرحت المؤسسة العالميّة للصحة أن غزة عادت لا توجد بها أدوات العلاج والأدوية وأدوات الحقن، حتى إنها اضطرت أن تغلق 11 مركزًا صحيًّا من مراكزها الواحد والعشرين، وهي تحتاج عاجلاً إلى أدوية ما يعادل مئة مليون دولار كإسعاف طبيّ أوّلي.

     والعجيب في الأمر أنّ على مستوى العالم الإسلامي لم يتحرك تجاه المجزرة الإسرائيلية الأخيرة في المجال العملي لحدّ اليوم إلاّ دول مصر وتركيا وقطر التي انطلق منها نداءات استنكار صارخ لما تقوم به الصهاينة من المجزرة الوحشية تجاه الإنسان الفلسطيني في غزة التي تنصبّ عليها ويلات غضب الدولة الصهيونية لأنّها محكومة بـ«حماس» التي اختارها الشعب الفلسطيني للحكم عن طريق الانتخابات التي عقدها على أساس ديموقراطيّ ينادي به الغرب وأمريكا بالذات دائماً؛ ولكنه الغرب لا يحب إلاّ الديموقراطية التي تنتج عملاء له ينفذون أوامره، ويجتنبون نواهيه.

     إن «إسرائيل» تدوس كل القيم والقرارات الأمميّة والتوصيات الدولية، وتسيطر على الأراضي المحتلة عام 1967م رغم قرارات الأمم المتحدة التي تقضي بانسحابها عنها، وتسليمها للفلسطينيين.

     إن إسرائيل تصنع مع الإنسان العربي الفلسطيني ما تشاء من الأفاعيل رغم العدد الهائل للمسلمين الذي يبلغ نحو ألف وثلاث مئة ألف مليون وعددها إسرائيل لا يتجاوز 6 ملايين نسمة، ودولتها الشرعية لا تقوم إلاّ على مساحة 21 ألف كلومتر مربع، وهي محاصرة بأربع دول عربية وهي: مصر والأردن وسوريا ولبنان، التي مساحتها بالمجموع مليون وثلاث مئة ألف كلو متر مربع، وعدد سكانها بالمجموع يبلغ 120 مليون نسمة؛ ولكن «إسرائيل الصغيرة» تفعل معنا الأفاعيل لأننا صرنا زبدًا يذهب جفاءً، وهي تملك من القوة العسكرية ما ليست لدينا بالمجموع، فحكومات دولنا السبع والخمسين إذا «تجرأت» أن تبدى كلمة استنكار نحو أفاعيل إسرائيل معنا تلمّست ألفاظاً ناعمة، حتى لا تغضب أمريكا، ولا يستاء الغرب، ولا يضيع ماء وجه دولنا هذه الكثيرة.

     إن فلسطين لن تضيع، وإن الشعب الفلسطيني لن يباد ما دام بينه الشعب المسلم الغيور الذي يقف بجانبه دائماً بكل ما يسعه من الدعم المادي والمعنوي، وما دام بينه من يقوم بالمقاومة الجريئة الباسلة التي ظلت وستظل تبقي قضية فلسطين حيّة ماثلة في ملف الأمم والدول، وظلت وستظل تقض مضجع الصهاينة الخبثاء لعنهم الله في الدنيا قبل الآخرة.                       [التحرير]

(تحريرًا في الساعة 10 من صباح: 7/محرم 1434هـ = 22/نوفمبر 2012م)

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم  ديوبند ، محرم – صفر 1434 هـ = نوفمبر ، ديسمبر 2012م – يناير 2013م ، العدد : 1-2 ، السنة : 37